Friday, May 16, 2014

أحلام بِتْفَسَّرْ

أنا باحترم أحلامي جدا. أحلام الليل، وأحلام اليقظة، لكن معنديش لسه أحلام للواقع.

تقريبا مفيش ليلة عدت عليا في حياتي من غير ما أحلم. معظم الوقت بافتكر أحلامي، ومعظم الوقت أحلامي بتكون فانتازيا ماتخطرش على بال حد. باحب أحلامي حتى لما بتخوفني، وباحبها حتى لما مش بافهمها. زمان كنت أصحى وأدور على تفسير الحلم، في الكتب، وبعدين على الإنترنت، بالعربي، وبعدين بالإنجليزي. كنت متخيلة إن الحلم رسالة من ربنا لازم أفك شفرتها علشان أفهمها وتنوبني فايدتها. بعدين اقتنعت إن الحلم رسالة مني ليا. يمكن رسالة من "أنا" اللي عاشت في الماضي، ويمكن من "أنا" اللي مستنياني في المستقبل. المهم إني في الحلم باكلم نفسي. رغم كده، مش بافهمني في أوقات كتير، ولا باقدر أفك شفرة الرسالة. أحلامي في العادة ليها ثيمات محددة. لما رجعنا مصر واستقرينا في شقتنا، كان الحلم دايما في بيتنا في ليبيا، وكان دايما كئيب، وكان دايما فيه شجرة العنب اللي كانت مزروعة في ركن البيت وفروعها مظللة داير ما يدور حوالين الحوش. دايما كنت أبقى فوق السطح، ودايما كان يبقى الوقت ليل، ودايما كان يبقى فيه نجوم كتير، زي ما كان بيبقى منظر السما في الحقيقة، بس دايما كانت النجوم موصولة في عقد هنا وسلسلة هناك، زي رسوم الأبراج الخيالية اللي بتوع الفلك والبخت حافظينها. لما نقلنا بيتنا الجديد في مصر، اتنقل الحلم لشقتنا. الشقة دي على صغرها وموقعها السيء وسط البناية كان ليها ذكريات حلوة، ويمكن علشان كده كانت أحلامها فيها عنفوان، بس كانت الثيمات تقليدية. دايما كنت أبقى في عربية (وأنا مبعرفش أسوق، وإن كنت وقتها عارفة الخطوات نظري)، ودايما بتضطرني الظروف إني أسوق العربية، ودايما عقلي بيحاول جهده يفتكر خطوات السواقة وينقلها لأعضائي، ودايما في حاجة بتجري ورايا وتحفّزني إني أهرب، ودايما الحلم يخلص قبل ما أوصل للهدف، اللي بيبقى غامض وهُلامي. تطوّر الموضوع لما اشتغلت، وبقيت أحلم إني طالعة سلالم، بس مش شايفة غير السلّمة الجايّة، وكلّ ما فوقها فراغ. طب ازاي أطلع السلمة دي ومفيش بعدها غير الفراغ؟ برضه كنت أطلع، وفورا ألاقي السلمة اللي بعدها اتجسدت. كنت أفضل أطلع لحد ما أفوق من الحلم. السلالم تطورت بعد كده وبقيت أشوفها كاملة، لكن بتلف في دوّامة مابتنتهيش؛ أطلع علشان أنزل، وأنزل علشان أطلع. حاجة كده تشبه سلالم إيشيريان*. الغريبة إني كنت باوصل لفوق في نهاية الحلم. فوق ده يبقى شقة حد من الأقارب أو الأصحاب، مكتب مدير، سطح، إلخ، المهم إنه مكان تنتهي عنده الرحلة.



العربيات والسوّاقة والسلالم (والأسانسيرات في أحيان نادرة) خدت حيّز كبير من أحلامي لمدة مش قصيرة، وكانت بتتطوّر مع الوقت لأحلام أغرب وأعقد، لدرجة إنها كانت بتسيطر على تفكيري، وبدأت أكتبها علشان أنساها. ابتدت بعد كده الأحلام تخرج من دايرة النمطية وتبقى غير تقليدية بالمرة، ولمّا كنت أحكيها للناس يتندّروا عليا. مثلا حلم القهوة واللؤلؤة، اللي فيه أنا ماشية في شوارع مدينة بادوّر على محل معين قالوا لي إنه بيبيع لولي. لما بلاقي المحل، صاحبه بيستقبلني بابتسامة، وبيسألني: "عاوزة إيه؟" "عاوزة لؤلؤة بيضا صافية، وقالوا لي انت الوحيد اللي تقدر تعملها لي." يرد صاحب المحل: "بس أنا معادش عندي لولي أبيض!" فأنا أتوتر، ومعرفش إيه اللي مفروض أعمله علشان أتحصّل على لؤلؤة بيضا، يقوم صاحب المحل يقول لي: "أنا أقدر أقول لك تعملي واحدة ازاي بنفسك. هادّيكي كنكة قهوة، ولما توصلي البيت، هاتعملي فنجان قهوة عادي جدا في الكنكة دي، وتفضلي تقلبي البن، ومع الوقت هتلاقي كورة بيضا بتتكوّن في الكنكة. دي هاتكون اللؤلؤة بتاعتك. بس انتبهي، لإنك لو رفعتي اللؤلؤة من كنكة القهوة قبل الأوان، اللؤلؤة هاتتفتّت لحبات سكر! وخللي بالك، إن كنكة القهوة دي مش بتعمل غير لولية واحدة..". أبصّ لصاحب الدكان شوية، ولكنكة القهوة، وآخدها وأنا مبسوطة، وأروح البيت علشان أتبع الوصفة. أفضل أقلب البن في الكنكة، وأشوف الكورة البيضا بتتكوّن جوّه فعلا، وانبسط، بس فجأة أسأل نفسي: "أنا معرفش إمتى الوقت المضبوط اللي أرفع فيه الكورة البيضا! ازاي نسيت أسال الراجل السؤال ده؟!" وتبدأ إيديّا تترعش وهي بتقلب، لكن أقول لنفسي في استسلام: "هاجرب حظي، إيه هايجرى يعني.."، وأسحبها بالمعلقة بالراحة. اللؤلؤة أهي، بتلمع في النور! ومش مهم إنها مش منتظمة الشكل، ومش مهم إنها تشبه السكر، وإن السكر برضه ممكن يبقى كورة، وبيلمع في النور. الحلم ده كان في 2009، وكانت كنكة القهوة دي بالنسبة لي زي مصباح علاء الدين. أنا باحب حدوتة مصباح علاء الدين جدا، وبقى عندي كده حدوتة الكنكة..

أما أغرب حلم حلمته فكان في 2011، وكان في طيارة، وكان على جزئين، حلمت بالجزء التاني الأول، وصحيت، ومعجبنيش إني مش عارفة الحلم ابتدا ازاي، قمت نمت تاني، وحلمت بالجزء الأول! الحلم بدأ في النص، بإني في طيارة فخمة، ومعايا زوجة سفير، وبندوّر على ناس، منهم جوزها وأبويا. فجأة بنلاقي جثة، وبيخطر في بالي إنها لواحد أعرفه في الحلم، إسمه إسلام، شعره أشقر وطويل وعلى شكل ديل حصان. أخاف، وأبقى عايزة أخرج من الطيارة، بعدين الست يبدأ يترسم على وشها خطوط سودا، زي ماتكون بتتلاشى. أبص من شباك الطيارة، وألاقي  كل الناس اللي واقفين بره زيها، بيتحولوا لبقايا. كل ده مش مهم بالنسبة لي، المهم إني ألاقي أبويا. باخرج من الطيارة، وألاقيه. بقايا. أصحى من الحلم مقبوضة ومتضايقة، وعايزة أفهم. لكن أرجع أنام تاني، يقوم يبدأ الحلم من أوله. أنا وأبويا والشاب اللي اسمه إسلام، اللي بشعر أشقر وديل حصان، واحنا ماشين في شارع. في اللحظة دي في الحلم أحس إنّ ورايا حاجات لازم تتعمل، بس قلقانة على والدي، أقوم أطلب من إسلام ده إنه ياخد باله منه ويتمشى معاه لحد ما أنا أخلص اللي ورايا. يوافق على مضض، وياخد أبويا من دراعه، وأشوفهم ماشيين قدامي. أخلص أنا الحاجات اللي كان لازم أعملها، وأرجع أدور عليهم، أقوم ألاقي أبويا قاعد لوحده على بنش، وإسلام ده بيلعب في مكان بعيد شوية. أزعق فيه، يرد عليّا إنه مش مهتم ياخد باله من راجل كبير في السن. أمسك دراع أبويا وأحاول أمشيه، بس مابيرضاش. عايز يفضل مكانه، قريب من الشاب. أقول لهم طيب أنا عندي طيارة، ملكي، تعالوا زوروني في الطيارة. بعدين بلاقي نفسي في الطيارة، وهم جايين فعلا يزوروني، وراكبين عربية علقانة في زحمة السير. شايفاهم من شباك الطيارة، وشايفة الناس اللي سايقة، كإنهم بيهربوا من حاجة. كلهم مزنوقين في الزحمة ومحدش عارف يهرب من "الحاجة" دي. شايفة أبويا فجأة بيبص على حارة على يمين الطريق مش زحمة، وبيقول لسواق العربية يمشي فيها علشان يوصل للطيارة. بيمشوا في الحارة دي لحد ما يوصلوا للطيارة، بس أنا مش شايفة غير أبويا، والشاب بيختفي. في ناس كتير ملمومين حوالين الطيارة، ووالدي بيحاول يندمج معاهم، وبيقف يتكلم مع سفير ومراته. أنا برضه باتكلم مع الناس، بس في حاجة لازم أعملها جوّه الطيارة. فجأة باشوف من الشباك مطر حمضي نازل على الناس، والناس بتتحرق وتتلاشى. معرفش ليه ده بيحصل، بس بارجع أشوف المشهد اللي بدأ بيه الحلم. الحلم ده الخطوط العريضة بتاعته بترجع تتكرر تاني في 2012، بس المرة دي أنا وأبويا ماشيين في الشارع بندوّر على "الحكمة"، وبنلاقي بدالها جزّار عارض "لحمة" فاسدة. بنجري برضه في عربية على طريق (بس أنا في العربية المرة دي مع والدي) وبنحاول نلحق معاد طيارة وراجل لازم نقابله في المطار. بنوصل، وأنا باتوه وبلاقي نفسي عند البوابة الغلط، والبوابة زحمة. فجأة البوابة بتفضى، وباشوف الراجل اللي كان مفروض نقابله عند البوابة اللي بعدها، وبنستنى علشان نركب الطيارة.

تبدأ الطيارة من وقتها تظهر في أحلام متفرقة، لحد ما تتجلّى امبارح، وأنا ماشية في الحلم مع ناس في الجامعة، وبنقف علشان الناس دول يكلموا ناس تانيين. أبص أنا في السما، ألاقيها بيضا، وألاقي الشمس متصدّراها، وَهَج أبيض، كورة مدورة، وكاملة، وفي وسطها بالضبط، ألاقي طيارة، دايرة الشمس محاوطاها، في لوحة جديرة بمشهد سينما. الناس تخلص الكلام، وأرجع أنا ملهوفة على أوضة مقيمة فيها في فندق ما جنب الجامعة علشان أكمل فرجة على المنظر ده. أجري على التّراس، ألاقي الشمس راحت، وبدل منها يظهر لي قمر، مكتمل، نوره سلاسل فضة منعكسة على كل حاجة حواليّا، وفيه حد عالباب؛ راجل واقف بيسأل سؤال. دايماً في الحلم فيه راجل، بيسأل، أو منتظر، أو عنده إجابة لسؤال محيّرني.


قهوة، ولؤلؤة. عربيّة، وسلالم، وطيّارة. شمس، وقمر، وعقود من النجوم. فضاء، وسفر.

زمان كانت العربية هي محور أحلامي، والعربية فسّروها إنها "الحياة"، والطريقة اللي بنتعامل بيها مع العربية هي الطريقة اللي بنتصرف بيها في حياتنا. بكده يبقى أنا كنت زمان مجبرة إني أعيش حياتي من غير ما أفهم ليه، وباتصرف تحت وطأة الضرورة، وبدون ماكون شايفة هدف مفروض إني أوصل له، و"خط النهاية" مش موجود. مابعرفش "أسوق"، لكن عندي فكرة عامة، والفكرة دي هي اللي بشكل ما بتمكّنني إني أمشي في الطريق اللي قدامي، رغم إني دايما باشكّك في مطابقة مفهوميتي دي للواقع العملي. المهم إني مفيش مرة حلمت فيها إني ماسقتش ووقفت مكاني واستنيت إيه الأسوء اللي ممكن يحصل. يعني متبرمجة على المعافرة حتى في نومي. هو الإنسان لو فكّر إنه يتحدى "برمجته" ويبطل "يسوق" ويقف يستنى اللي ممكن يحصل، إيه اللي ممكن فعلا يحصل؟ طيب لو كنت في مرة قررت أبطّل أطلع سلالم الحلم، ووقفت، أو نطّيت حتى في بير السلم، إيه اللي كان ممكن يحصل؟ طلوع السلالم في الحلم فسّروه بإنه الفهم والحكمة والتنوير، الخروج من العمق والتفاصيل للسطح والرؤية الكلية للأمور. أنا في الأول كنت باطلع السلّمة وأنا مش عارفة في سلمة بعدها أو لأ، زي ما كنت باسوق من غير ما أبقى متأكدة من خطوة السواقة الجايّة، ومن غير هدف في الآخر برضه. بعدين بدأت مرحلة إني أدور في سلالم لا منتهية، أطلع وأنزل، ومابقاش عارفة أنا هاوصل والا لأ. وزي ما الطلوع رمز للوصول لفهم أشمل، النزول برضه رمز لفهم أشمل، لكن للذّات، مش للموجودات. يمكن تركيز الأحلام على "الطلوع" ودمج "النزول" في دوامة من الحركة الدائرية بيعكس خوفي من مواجهة نفسي وتحليلها في البداية، واستعدادي المتردد إني أعمل ده في نهاية المطاف. نفسي بتكلّمني من خلال الأحلام، وبتقول لي: "في النهاية انتي لازم تسمعيني وتتفاهمي معايا، وتعالجي المشاكل اللي بيّا، وتتفقي معايا ازاي هانكمل مع بعض بشكل صحي وسليم، علشان مش كل شوية هاطلع لك في الحلم وألفّفك حواليا." 

بدأ يبقى فيه "خط نهاية" في المرحلة دي من الأحلام؛ أنا بشكل ما باوصل لـ"مكان" أنا مستهدفاه. الموضوع بالنسبة لي أصبح منطقي. طول ما مفيش هدف، مفيش شكل للمسار اللي مفروض أمشي فيه، في بس إحساس بإني أعيش "اللحظة" - عتبة سِّلِّمة، أو دوسة بنزين - وماقلقش على اللي ممكن يجي بعدها. يمكن لما بدأت أكبر وأشوف الحياة من منظور أوسع شوية، وأفكر في المستقبل ككتلة واحدة مش كأيام منفصلة، يمكن ده الوقت اللي بدأت فيه الأحلام تاخد شكل فنتازي ومُجمل؛ السلالم تبقى مكتملة، ومكان النهاية يبقى فيه شيء من الوضوح والتحديد، ولمّا أحلم بجزء أقوم مايعجبنيش وأرجع أكمل الحدوتة علشان الصورة تبقى كاملة وواضحة في ذهني، والمواجهة مع النفس تبقى حتمية. وقتها بدأت الطيارات تظهر، والطيارة تفسيرها الارتقاء، والمنظور العلوي، والحرية، وإدراك أقوى للنفس. فاضل بس إني أحلم إني باسوق الطيارة، علشان أعرف ساعتها إن رحلة الوعي والتنوير اكتملت، وإني متحكمة أخيرا في مصيري، وعارفة أنا عايزة إيه وواثقة من قراراتي اللي هاخدها علشان أعمل اللي أنا عايزاه. هكذا تقول التفاسير.

الرمزية اللي في أحلامي بطّلت تقلقني؛ بطّلت أحاول أفهم ليه المطر حمضي، وليه أبويا بيظهر كتير، وليه فيه لولي ممكن يطلع لي من كنك القهوة، وليه فيه شمس وقمر ونجوم. المهم إن كان فيه عربيّة، وبعدين بقى فيه سلالم، وبعدين الحكاية دخلت في طيارات؛ كنت بامشي على طريق، في مسار أفقي، وبعدين بدأت أطلع لفوق، في مسار شبه عمودي، ودلوقت أنا عايزة أفضل فوق، وأكمل مسار أفقي، في عنان السما، وفي اتجاه الشمس.

 
 
 *Escher Stairway, or Penrose Stairs.

No comments:

Template by:
Free Blog Templates