Saturday, October 3, 2009

في شارع المعز

كانت هذه "الرحلة" على غير انتظار و ترتيب، و ترددت كثيرا لأسباب شخصية لا أستطيع البوح بها، و لكني في النهاية قلت: و لم لا؟ سأصلي ركعتين في الحسين و أمشي في الخان قليلا لعلّي أمسك بطيف من باب قديم. و ذهبت و صليت العشاء في الحسين، و دعوت كثيرا الى الله أن يفرج الكرب عني و عن أحبتي، ثم دخلت المقام لأقرأ الفاتحة، و رأيت النساء يتمسّحن بالمقام باكيات راجيات أن يشفع لهنّ الحسين عند الله، و عرفت في قرارة نفسي أن الناس لا تفعل ذلك كفرا أو اعتقادا بأن الله يجعل بيننا و بينه شفعاء و وسطاء، و لكن لأن الناس تخشى و تخجل من أن تتحدث مع الله مباشرة، إنها رهبة بدائية لا تتضاءل مهما قال العلماء أن ليس بيننا و بين الله حجاب. خرجت و كلّي أمل أن يستجيب الله دعائي لأنني تجرأت و حدثته كصديق، و حمدت الله كثيرا أنني "مستورة" لا أقف في الشوارع أسعى لرزقي و لا أبيت ليلتي فيها. دخلت الى الخان، و راعني الركود في حركة البيع، و كأن الأجانب لم يعودوا يريدون منّا تذكارا ملموسا، فالكاميرا الرقمية أتاحت للجميع أن يأخذ الذكرى على رقاقات الكترونية. سرت حتى وصلت الى سوق الذهب، ثم لفت نظري جامع في نهاية الشارع، فسرت أتبع أنواره، و وجدتني أسير في شارع ليس بالمتسع و لا بالضيق. نظرت الى الجامع فوقر في صدري أنني في المعزّ لدين الله الفاطمي، و لكنني أردت أن أتأكد، فبحثت بعيني و قلبي عن يافطة زرقاء، و لمّا تأكدت أنني فعلا في المعزّ، وددت ساعتها لو أنني أستطيع أن أتقافز كالطفلة التي جاءتها أجمل لعبة على غير انتظار. لقد قرأت كل مقالات جمال الغيطاني في جريدة المصري اليوم في رمضان، و لكم وددت لو أنني عندما أزور الجمالية أن يأخذني بيده ليريني تاريخ كل حجر في ذلك الحيّ العريق، و لكن ما العمل الآن و أنا في الشارع فعلا؟ فلأبدأ رحلتي بنفسي، فمن المؤكد أنه بدأ رحلته بنفسه، و أعادها مئات المرات كي يتشرب المكان و يحكيه لنا تاريخا. بدأت أسير خطوة و أتوقف خطوة، ففي كل حجر حكاية، و على كل مبنى اسم عريق ساحر في غموضه أحيانا و علم في شهرته أحيانا، و كنت أبكي و أبتسم معا، فمع كل أثر جديد تقع عليه عيناي كنت أودّع أثرا قبله، و لكم وددت لو أني ذرعت الشارع في هذه الليلة ذهابا و إيابا حتى يملّ منّي. انظروا! هذا هو الدرب الأصفر! و هذا بيت السحيمي! و هذه عطفة! و تلك حارة! و ذلك زقاق! و الجوامع و المدارس و السبل تتلألأ بنور خافت و سمت صامت كأنها رضيت بأن تقبع في أماكنها شاهدة على عصور متعاقبة من السلطة و القهر و التباهي و النصر و الهزيمة و المؤامرات. و لكن ذهبت تلك العصور، و بقيت الأماكن صامتة تحكي بأحجارها الأحداث، و تاهت الأغراض التي بنيت من أجلها تلك المباني في الزمن، و بقي الجامع جامعا للصلاة، و المدرسة مدرسة للعلم، و السبيل سبيلا لنجدة الملهوف و المسافر. بدأت معالم الشارع تهدأ، لا جوامع و لا سبل و لا كتاتيب، و قربت الساعة من منتصف الليل، فعدت أدراجي ألقي النظرة الأخيرة على ما كنت ودّعت منذ قليل، و عند الجامع الأزهر التقطت صورتي الأخيرة و انطلقت بعيدا عن المكان. عندما عدت للمنزل و راجعت ما كتب عن شارع المعزّ، عرفت أنني لو كنت استمررت في السير كنت وصلت الى باب الفتوح، و لو كنت سرت في الاتجاه الآخر بعد الجامع الأزهر لكنت وصلت الى باب زويلة، و لكن تلك زيارة أخرى، و آمل أن تكون قريبا

No comments:

Template by:
Free Blog Templates