Wednesday, August 30, 2017

ليلة نمطية مع القطط الثلاثة

أقرر أن أنام مبكراً. لدي غدٌ حافل يبدأ باكراً جداً.
أستقر في السرير، و"أفرّ" الفيسبوك أملاً أن يغلبني النوم من الملل. تأتي قطتي "قوطة" لتنام بجانبي كما اعتادت كل ليلة. هي تَغِير جداً من القطتين البيضاوين اللتين آويتهما من الشارع. هما أيضا يأخذان مواضع معتادة حولي كل ليلة. "لولا" العاقلة الرزينة تتمدد صوب قدميّ. يحلو لها أن تعضّ أصابع قدمي حتى تنام. أستخدم جسم "لولا" الدافيء الناعم لتدفئة قدمي وخلق إيقاع رتيب من العضّ والمسح. أما أخوها الولد الدلّوع، واسمه "كُهن السيد مُحن"، و "السيد" ليس اسم أبيه، فأنا لا أعرف لهما أباً ولا أماً، فيحلو له أن ينام على المخدة حول رأسي، إذ أنه يحبّ أن يُداعب شعري حتى ينام. يتمدد "كُهن" بطول المخدة ويحيط شعري بأربعه، ويبدأ في القرقرة التي تُنبيء عن الاستقرار والسعادة. لا ينسى الحقير أن يمدّ رأسه بين الفينة والأخرى إلى حيث يستقرّ رأس "قوطة" النائمة في سلام، إذ ربما تصحو فتضربه على قفاه كما اعتادت، وتطرده من السرير. هو يحب هذه المناوشات والمناغشات، وأكاد أراه سعيداً وهو يقف مستسلماً بعد أن تضربه "قوطة" على قفاه. 
يحب "كُهن" أن أحمله وأحضنه؛ هو لا يخاف من الحميمية، ويستمتع بالدلع الذي نسبغه عليه. أما "لولا" فلا تحبّ. "لولا" متباعدة، تحتفظ دوما بمسافة من كل مخلوق، وتبدو مستقلة ومعتدة بنفسها، رغم ما تكشفه عيناها في لحظات خاطفة من رغبة في القرب وفي أن يغمرها أحد بالدلع. لا أستغرب التباين في شخصياتهما، إذ أنه ظهر لي منذ اليوم الأول الذي وجدتهما فيه. أكثر من ثلاث شهور مرت منذ ذلك اليوم. ظلت "لولا" تموء وتصرخ أياما حتى عرفنا أين هي. كانت في حالة مزرية حقا؛ عينان مغلقتان تماماً من الصديد وجسد هزيل تماما ومثقل بالأوساخ والحشرات، وما أن دعوتها لتأتي إليّ من وراء الباب الحديدي حتى ظهر "كُهن"، وكان في كامل أُبَّهَتِه. الحياة غير عادلة حقا، ولكن "لولا" أنقذت نفسها وأنقذت أخاها في النهاية، وها هما يثيران الشغب والصخب في النهار والفجر وينامان حولي في الليل
أحياناً يجتمع "كُهن" و "لولا" على طرف الغطاء، التي أستخدم طرفه الآخر لأحمي به نفسي من أظافرهم التي تشبه مئات الإبر، ويبدآن في محاكاة فعل الرضاعة من القطة الأم. تأخذني الشفقة بهم؛ لقد كبروا وأكلوا الأخضر واليابس، ولكن هناك ركنا ضائعا من حياتهم يفتقدونه، ويمارسون طقوسه في إصرار رغم مضي الوقت الكثير.
وأنا أستغرق رويداً في النوم، يغمرني سلام غريب وأنا محاطة بالقطط الثلاثة. واحدة تغير عليّ، وواحد يداعب شعري ويوفر خلفية صوتية رتيبة باعثة على الاسترخاء، وواحدة تدفيء قدميّ. ليس هناك حبّ أفضل ولا أشمل من هذا. 

No comments:

Template by:
Free Blog Templates