Wednesday, August 22, 2018

امبارح كان عمري عشرين

"ما السنّ إلا رقم".

من عشرين سنة بالضبط، كان عمري عشرين. كنت باقول وقتها للناس وأنا كلّي أسى "كمان عشرين سنة هايبقى عندي أربعين سنة!" وكانت الناس تقول "ياه .. لسه بدري قوي على الأربعين! انتي فين وهي فين؟ عيشي سنّك!" وها قد جاءت الأربعين فجأة، ومعرفش هل كده انتهت زهوة السنين من عمر الواحد من دون ما آخد منها كل اللي ممكن آخده من انطلاق وانبساط أو لأ. ليه كان كل الخوف ده من الأربعين؟ هل كنت شايفاها السن اللي بينتهي عندها عمر الستّ؟ هل كنت شايفاها السن اللي لازم قبلها أكون عملت كل حاجة نفسي فيها عشان يكون للحاجات دي طعم؟ هل ده كان جزء من حبّي للدراما؟

لما أبصّ على السنين اللي فاتوا، بافكّر، هل أنا عشت "سنّي"؟ العشرينات والتلاتينات؛ زهرة الشباب. لما براجع الشريط بلاقي إن العشرين سنة اللي فاتوا كانوا حافلين بالخبرات والرحلات والناس، والحمد لله كانت خبرات مهمّة بحلوها ومرها، وكانت رحلات ممتعة ومتنوعة برّا البلد وجوّا البلد، وكانت كل الناس اللي عرفتها نِعَم جميلة وكنوز حقيقية. والعشرين سنة اللي فاتوا كانوا كلهم تقريبا شغل (التمنتاشر سنة الأخيرة تحديدا)، ورغم إني عمري ما كنت راضية عن أي شغل عملته إلا إني بذلت مجهود كبير واشتغلت كتير وشفت طلاب كتير وكان معظم وقتي مترتب حوالين أنشطة الشغل المختلفة. يجوز ده يخليني أعتقد إني مانبسطتش كفاية ولا انطلقتش كفاية، برغم إن كان فيه أوقات كتير حلوة مع ناس حلوين وفي أماكن حلوة. لكن برضه العشرين سنة اللي فاتوا راحوا في الترقّب؛ ترقّب إن حاجات حلوة تحصل، وبعضها حصل، وترقّب إن حاجات وحشة تختفي، وبعضها اختفى.

أحلام كتير اتمنيتها، ويجوز محصلتش، ويجوز حصلت بس بتأويلات، زي ما بنأوّل أحلام النوم. أماكن كتير كان نفسي أزورها، وزرت بعضها، لكن يجوز مش في أوج حالاتي. لحظات ولقطات اتمنيت أعيشها، وعشت بعضها، لكن مكانتش بنفس الزهو اللي بيزيّنه الخيال. كلمات كان نفسي أقولها، ويجوز قلت بعضها في خيالي، ويجوز قلت بعضها في الحقيقة، لكن متأخر، أو بصيغة غبية، أو من غير إحساس واقتناع. مواقف كان نفسي ماتحصلش، لكن حصلت. كلام كان نفسي مايتقالش، لكن اتقال. تجارب أوّل مَرّة، وبقت تاني وتالت مَرّة أسهل. تجارب مُرّة، ويجوز مرارتها خفّت مع الأيام، لكن مابتروحش، ويجوز بتمرّر ما بعدها. كل حاجة وعكسها، وكتير من "أنا كان مخّي فين!" و "ماقلتيش ليه!" و "قلتي ليه!" ودعاء كتير إن الزمن يرجع لورا عشان "خلاص اتعلمت وهاتصرف صح المرة دي". لكن هيهات. العمر قطر طريق واحد، مابيرجعش غير في خيالنا. باحاول حتّى أفتكر تفاصيل من العشرين سنة دول، لكن كل التفاصيل انصهرت في بوتقة واحدة أقدر ألخصها بإني "اشتغلت وسافرت وحبيت وكرهت وقريت واتعلمت وجهلت" بدون ما أعرف كل حاجة من دول كانت لإيه أو لمين أو امتى. 

يمكن الفكرة الوحيدة اللي كانت واضحة ومسيطرة عليا في أواخر السنين العشرين دول  هي فكرة "الاستقرار"؛ إني بعد الحلّ والترحال الكتير والأحداث الكتير كرهت الحياة "المؤقتة" والانتقال وشنط السفر ولمّ العِزال وكرهت الدوشة والتعامل مع الناس. سيطرت عليّا الفكرة دي لدرجة الهوس، وأقنعت نفسي إن ليس بالإمكان ترتيب وضع معيشي وعملي أحسن من اللي أنا فيه، وإني مفروض أتقبّل ظروفي وأتأقلم مع المنغّصات الحالية وأحدد تعاملاتي بالحد الأدنى اللي يضمن "تسيير الأعمال"، فذلك أفضل جدا من المخاطرة بالانتقال من جديد لوضع جديد والبدء من جديد في تأسيس حياتي وإثبات نفسي. لكن يبدو إنّي خُلقت للحياة المؤقتة، وإن الانتقال المستمر ده هو الثابت الوحيد في حياتي. وأنا باتمّ الأربعين لقيتني باخد خطوة كل الناس اعتبرتها جريئة، وسِبْت مكان شغلي اللي أخد مني العشرين سنة من عمري اللي هم ال "prime years"، وهابدأ شغل في مكان جديد معرفش هياخد مني قدّ إيه ولا هاقدر أدّيله قدّ إيه. مش بسّ كده، ده أنا كمان هاعيش في القاهرة الجبّارة اللي بتفرم الناس! لكن أنا طول عمري باحب القاهرة، بكل اللي فيها، ويمكن دي فرصتي عشان أتأكّد إن كانت تستاهل الحب أو لأ. يمكن كل الأوضاع المؤقتة كانت خطوات بامشيها مسيّرة عشان أوصل للنقطة دي وأستقر "رغما عنّي"، ويمكن لأ، وهافضل أتنقل وأقابل ناس وأثبت نفسي ليهم.

التجربة والمغامرة مخيفين. مخيفين جدا. وأنا جبانة جدا؛ جبانة ومابحبش المواجهة ولا الصدام ولا القلق. وأنا عندي عشرين سنة كنت شايفة كل سنة جايّة تخوّف. كنت باواجه الحياة لوحدي، وكنت خايفة لحدّ الرعب أعتمد على حدّ أو أحتاج لحدّ. لكن في المجمل مكانوش العشرين سنة اللي فاتوا دول يخوّفوا قدّ ما كنت فاكراهم من عشرين سنة، وأعتقد إني دلوقت واقفة على عتبة مرحلة مهمة، لازم أستفيد فيها من كل دروس الزمن، وأول درس هو إني ماستناش سنّ الستّين وأفضل خايفة من كل سنة جايّة لحد ما أوصل له (بفرض الوصول). بس الجميل إني هاواجه السنين الجاية لوحدي ومش لوحدي؛ لوحدي عشان معنديش السند التقليدي، لكن مش لوحدي عشان عندي أصحاب كتير ومخزون تجارب أقدر أعتمد عليهم. معدتش باخاف قوي أعتمد على الناس، ولول إني برضه محبش أحتاج لهم. من النقطة دي، من أول الأربعين، هاقول لنفسي إني لازم أحاول أسترخي أكتر وأوعى أكتر وأسافر أكتر وأحب كتر وأغلط أقل وأقلق أقل وأخاف أقل. بس يبدو إني هافضل أجرب أكتر، وأغامر أكتر، على أمل إنه في لحظة ما (مش هاترقّبها خلاص) يحصل الاستقرار تلقائي، وأوصل للسلام.

1 comment:

Tarek Hassouna said...

I'm really sorry to type in english to comment on your beautiful blog that was written in arabic but my keyboard is only english. I share a lot of feelings with you ,professor, though I didn't reach the forty yet. Sometimes I feel that age is just a number that can't define who we are and what we did , but sometimes it leaves wounds that never heals and if they healed they leave prominent scars that remind us with some experiences.
Regarding moving to my beloved city, I can say that I strongly agree with the step you already took by leaving the governmental work and trying something else .Actually I believe that risk takers win and losers are those who stay where they are. Another thing , I believe that moving and migrating are characters of audacious people who don't care too much about the mere losses and benefits , you can say also that the prophets were meant to move and leave their places to teach us that we should not instill ourself in one place but we have to move around, to explore, to discover and to try something new and in your case to meet and teach new and different people . I wish you all the good luck in your new job and in great Cairo.
Tarek Hassouna

Template by:
Free Blog Templates