Thursday, April 22, 2010

صورة الحائط الثالثة: رائحة الأمس، و رائحة اليوم

فتحت خزانتي لأجلب ملابس جديدة، و بالصّدفة وضعت الملابس قرب وجهي، فإذ برائحة مألوفة تتسلّل إلى أنفي
إنّها رائحة لطالما احتَضَنَت أنفاسي و روحي
و غمرتني بدفء و حنوّ لم أجد لهما مثيلاً في مكان آخر
كنت أشم تلك الرائحة كلّما فتحت دولاب جدّتي في بيتها الرحب
رائحة نظيفة، بسيطة، ليس فيها من العطر قدر ما فيها من الأمان و السكينة
كنت أحياناً أسترق لحظات من أسرتي المجتمعة في الأعياد أو الزّيارات في بيت الجدّة
لأذهب و أفتح دولاباً، و أُمَلِّي أنظاري بنظامه و ترتيبه الذي يضارع ترتيب بيت لورد إنجليزي
و لكن ما كان يسمّرني طويلاً هو تلك الرّائحة
و كلّما طال الزمن زادت الرائحة جمالاً دون أن تستفزّ الأحاسيس
هل كانت رائحة الشّمس المصرية؟
هل كانت رائحة مسحوق تنظيف غال الثّمن؟
و لكنّ الرّائحة موجودة هناك منذ وعيت!
و لم أكن أجدها في أي مكان أخر!
لطالما حاولت و حاولت في بيتي
وصفات سحرية، ألاعيب حواة
و لكن دون فائدة تُذكَر
و لم يكن يُعزّيني إلّا أنّني أستطيع أن أذهب في أي وقت لأتشمّمها
و أستحضر معها أجواء جميلة، نظيفة، مشمسة، دافئة، ضاحكة
طاولات إفطار بسيطة و لكن ذات طعم مختلف وفريد
أشعّة شمس صباح ترسم في الأجواء لوحات من النّور و الصّفاء
أصوات أناس في الخارج تعمل دون كلل، بينما أنا بالداخل في جنّة أرضية بسيطة مكتملة
كنت في تلك اللحظات أنعم بالسلام من نفسي المتشاحنة مع نفسها
و عندما شممت هذه الرائحة الليلة
صُعِقت بتوق مؤلم لبيت جدّتي، و أحضان جدّتي، و دعوات جدّتي
و استحضرت صورتها الجميلة
و صرت كالمدمن أتشمّم ملابسي و أسأل نفسي من أين لي بتلك الرائحة المقدّسة؟
و لكن تأمّلت الليلة أن أحظى بنوم سعيد لم أحصل عليه منذ زمان بعيد
و أن أستطيع مستقبلاً أن أستحضر هذا السحر من جديد
سأنام في أحضان رائحة جدّتي الليلة
سأنام على صورة سعيدة ملأى بالسلام
انتهت اللّقطة

No comments:

Template by:
Free Blog Templates