Tuesday, September 29, 2009

لقطات من طفولة لا تتعلم

أمسكت بكراسة زميلتها التي طلبت منها أن تكتب حرف الراء بدلا منها، لم تعد تتذكر لماذا لم تفعل زميلتها ذلك بنفسها، كل ما تذكره هو أنها تاقت لفرصة كي تكوّن صداقة في هذا العالم الغريب. تركت كراستها جانبا لتبدأ الكتابة لصديقتها، و لكن مدرّسة الفصل أمسكتها بالجرم المشهود. قالت: لم تركت واجبك و هرعت لتساعدي المهملين؟ عقابك أن تكتبي حرف الراء ثلاث صفحات بدلا من صفحة واحدة، و اياك أن لا تلحقي بزملائك في واجب الغد مهما تطلب الأمر. و هكذا بقيت الفتاة بعد انتهاء اليوم الدراسي تكب حرف الراء لنفسها ملء صفحة، ثم باقي الصفحات، و قد وعت الدرس جيدا "إن تلك الزميلة لم تتأخر في الواجب مثل ما فعلت. منذ الآن لن ألتفت لأحد في قاعات الامتحان كي أعطيه معلومة بالغش." و منذ ذلك الوقت أتقنت حرف الراء، و قررت أن الآخرين لا بد أن يستغلوا المغفلين الراغبين في صك القبول، و أنها لن تساعد غشاشا مهما كان صديقا، و لن تكون مغفلة بعد اليوم
كان عمرها في ذلك الوقت ست سنوات

---------------------------------------------------

نظرت اليها صديقتها بعد أن تركتها خارج اللعبة لتلعب مع الفتيات القادمات من الخارج و قالت: لا تضعي يديك الاثنتين على خديك، فهذا يعني أنك يتيمة
يومها نظرت الى تلك الصديقة نظرة متعجبة، و قالت لنفسها "أنا بالفعل يتيمة، و ما فائدة الوالدين ان لم أحتم بهما من جرح في إصبعي؟ و ما فائدة الوالدين ان لم يكن لديهما ضمادة لجرح غربتي؟ و ما فائدة الوالدين إن أنا احتميت وراء باب بيتي لأجد ذلك الباب الخشبي المتهالك أول الخائنين لستري؟" و لكنها نظرت الى تلك الصديقة و قالت: معك حق، فيداي هاتان لن تمسّا وجهي بعد اليوم إلا لتلطمه ان غفل عن خبايا الناس، و سأضعهما دوما أمامي لأتلمس طريقي في ظلمة نفسي، و سأضرب عليهما اذا هربتا وراء ظهري، و سأذهب لألعب مع آخرين
كان عمرها في ذلك الوقت تسع سنوات

----------------------------------------------------

وقفت تعمل في الصحيفة المدرسية بدلا من الأخريتين، فقد كان لا بد للصحيفة أن تنتهي اليوم، أخذت الفتاتان تجريان طولا و عرضا، تتقافزان مرحا، بينما عملت هي بيديها و قدميها، ثم وجدت الفتاتان أن الجري ليس مرحا، فأخذتا تضربانها على ظهرها و هما تجريان طولا و عرضا. كتمت دموع القهر كيفما استطاعت، و لكن ما هرب منها شهق بصوت مسموع، فتوقفت الفتاتان و سألتا: هل ضايقناك؟ ردت: كلا، تذكرت أختي المريضة، فتأثرت. و قهرت صوت الدموع بقسوة قائلة لنفسها "لن تبكي بعد اليوم على أحد، و لن تحبي بعد اليوم أحدا، لا أحد يستحق، لا صديق يستحق" و قررت منذ ذلك اليوم أن تعمل وحدها
كانت يومها في الثانية عشر من عمرها

----------------------------------------------------

وقفت أمام المدرّسة تتلقى لطمة مدوية، حبست دموعها و لم تلم إلا نفسها "بدل أن تطلقي العنان لغضبك كي يكيل لك اللطمات، أطلقيه وراء ظهورهم، و في وجوههم لا تكشفي الا ابتسامات صفراء، فأمثال هؤلاء لا يستحقون أن يروا منك صدقا، انهم يستحقون أن يروا منك ظهرا" و اعتذرت، و استدارت لترى طابور الصباح يدخل الفصول، فسارت و هي ترفع رأسها أعلى مما كانت تفعل في المعتاد، و أجبرت حرقة خدها أن تخمد مع دموعها، و نظرت الى العالم بتحدّ، فلن ينال منها بعد اليوم
كانت حينها في الخامسة عشر من عمرها

-----------------------------------------------------

عادت الى المنزل مع والدها بعد أن انتهت تلك الأزمة التي كادت تودي بها، دخل الأب لينام، فسألته: ألن تعاقبني؟ قال: لقد تلقيت عقابك كاملا اليوم، و أنا أريد أن أنام. دخلت الى غرفة الدراسة و جلست على المكتب، فتحت الكتب، فالامتحان النهائي بعد أسبوع، و بدأت تستذكر دروسها بكل هدوء و تركيز. نجحت بتفوق بدون دروس خصوصية، و فشلت الآخريات ممّن كانوا سببا في أزمتها، و عندما بدأت الدراسة، قالت لنفسها " سأرفع رأسي عاليا، سأستغني عن الآخرين، سأبقى بمفردي أواجه العالم، و سأضحك ليعلموا أنهم لم ينالوا من كبريائي" و منذ ذلك اليوم وهم يطلبون ودها، و وافقت و في نفسها أنها لن تمنح الأمان لأحد بعد اليوم، و لن تنسى الاساءة بعد اليوم، و لن تعد بألا تشمت عندما ترى انتقام الله مثلما فعل أمير الانتقام
كانت وقتها في الثامنة عشر من عمرها

No comments:

Template by:
Free Blog Templates